مقاصد الشريعة المتعلقة بالتحكيم في المنازعات المالية
الحمد لله رب العالمين الحكم العدل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين خير من قضى وحكم وأصلح، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد! فلقد سمى الله تعالى نفسه بالحَكَم، قال تعالى: ﴿أَفَ غَريَْ ا ه للَِّ أَبر تَغِي حَكَمًا وَهُوَ الهذِي أَنر زَلَإِلَريكُمُ الركِتَابَ مُفَ ه صلًا﴾ ]الأنعام: 114 [، وسمى...
Summary: | الحمد لله رب العالمين الحكم العدل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين خير من قضى وحكم
وأصلح، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد! فلقد سمى الله تعالى نفسه بالحَكَم، قال تعالى: ﴿أَفَ غَريَْ ا ه للَِّ أَبر تَغِي حَكَمًا وَهُوَ الهذِي أَنر زَلَإِلَريكُمُ الركِتَابَ مُفَ ه صلًا﴾ ]الأنعام: 114 [، وسمى نفسه تعالى بالحكيم قال تعالى: ﴿لََ إِلَهَ إِهلَ هُوَ الرعَزِيزُا ر لَْكِيمُ﴾ ]آل عمران: 6[، قال » إِنَّ الَّلََّ هُوَ ا ح لحَكَمُ، وَإِلَحيهِ ا ح لحُ ح كمُ « : 3. والحكم: هو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة، فيحكم بينهم في الدنيا بوحيه الذي أنزله على أنبيائه، وفي الآخرة يحكم بينهم بعلمه فيما اختلفوا فيه، فيقضي لأهل الحق والتوحيد على أهل الباطل والشرك، وينصف المظلوم من الظالم 4 .
وأمر نبيه بأن يحكم بين الناس بشرع الله تعالى قال تعالى: ﴿وَأَنِ ا ر حكُ ر م بَ ري نَ هُ ر م بِ ا أَنزَلَ ا ه للَُّ ]المائدة: 49 [ فكان الحاكم القاضي بين الناس بشرع الله الحنيف إحقاقاً للحق ونصرة للمظلوم، يحكم بينهم بأحكام الله التي كلها مصالح ولا تخلو من المقاصد لحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، والموفق من علمها ودرسها وعمل بها ونشرها بين الناس، مصداقاً لقوله » من يرد الله به خ يرا يفقهُ في الدين « : 5 . وهكذا سار صحابة رسول الله ومن بعدهم على نهجه في القضاء والتحكيم بين الناس تحقيقاً لمقاصد الشريعة.
إن الناظر في أحوال الناسِ والبلاد يرى الحرص الكبير على المال وإدارته لما في ذلك من أهمية كبيرة على الشعوب في م رِ العصور، فنجد المال قد ارتبط بكل أمور الحياة التعبدية والمعيشية، فهو ضرورة من ضرورات الحياة التي يجب المحافظة عليها، والتي لا يحصل من دونها مصلحة كاملة، وقد ارتبط المال ارتباط اً وثيق اً بغيره من الضرورات قال تعالى: ﴿وَلََ تُ رؤتُوا السُّفَهَاءَ أَرموَالَكُمُ الهتِِ جَعَلَ ا ه للَّ لَكُ ر م قِيَامًا﴾ ]النساء: 5[، ولما في المال من أهميةٍ كبيرةٍ، انعكس ذلك على تعاملات الناس فكثر التعامل به، ومعلوم أن الأمر الذي يكثر التعامل معه تكثر مسائِله وتكثر الخلافات عليه، ومن هنا حرصت الشريعة الإسلامية كل الحرص على تنظيمه وإعطاء كل ذي حق حقه، فوضعت قواعد تصلح لكل زمان ومكان قال تعالى: ﴿الريَ رومَ أَ ر كمَرلتُ لَكُ ر م دِينَكُ ر م وَأَرتَْ ر متُ عَلَريكُ ر م نِرعمَتِِ وَرَضِيتُ لَكُمُ ارلإِ ر سلَامَ دِينًا﴾ ]المائدة: 3 [ فحيثما وجد شرع الله فثم مصلحة 6، فشرعنا خاطب العقول على اختلافها، قليل الفهم إلى العباقرة والموهوبين ونظم أمور حياتهم، ومن الأمور التي وضعت لحفظ المال هي التحاكم بين المتنازعين، والتحكيم يتقارب معناه بين الشريعة والقانون فمعناه من غير تفصيل هو اتفاق بين شخصين على أن يحكم بينهما شخص ثالث.
وقد نال موضوع التحكيم في المنازعات المالية في وقتنا المعاصر أهمية قصوى، وذلك للنتائج التي يوفرها من حماية اقتصادية وشفافية وتحقيق مبدأ الإرادة في حل المنازعات بين الأطراف، والمنازعات المالية هي الخلاف أو التضاد أو عدم الرضى أو اختلاف الهدف المراد تحقيقه بين طرفين أو أكثر في معاملة تتم من خلالها تحريك المال بمبادلة مال بمال أو منفعة مباحة، وإطلاق كلمة المالية بعد المنازعات تشمل التصرفات لقضاء مصالح العباد المرتبطة بعقود البيع والإجارة والوكالة والشركة والمزارعة والمساقاة والضمان ونحوها.
إن موضوع التحكيم في المنازعات المالية والرغبة في ضبطه بقواعد الفقه الإسلامي لهو أداة من الأدوات الرئيسية لقيام اقتصاد إسلامي متكامل الجوانب، وذلك لما يُكسبه التحكيم من سرعة فض المنازعات المالية وسريتها للشركات وتزال به الأحقاد، فبذلك تدور دائرة الاقتصاد بشكل متسارع مما يساهم في تحقيق التنمية وسلامة الصدور، الأمر الذي سيؤدي إلى تزاحم الأنظمة الاقتصادية على التحول إلى نظام اقتصادي إسلامي وإن تم تسميته بغير ذلك - فالتحكيم وما يلاقيه من تحديات، ينبغي دراسته دراسة مستفيضة، ومن هذه التحديات رغبة البعض التحكيم في موضوع الربا في الأموال المتنازع فيها، ويعتبر التحكيم وفق الأحكام الشرعية وضوء مقاصد الشريعة نوعاً من أنواع فض الخصومة، وقد اصطُلح عليه بالتحكيم وله عدة أنواع وطرق، وقد قُننت له القوانين في عدة دول، سواءً كانت قوانين خاصة أو مواداً قانونية ضمن القوانين المدنية، وقد اجتهد علماؤنا في تدوين أحكام التحكيم وأسسه في كتب الفقه، فأصلوا مسائل التحكيم وبحثوها استدلالاً وحكماً وترجيحاً، وكذلك صنَّفوا المصنفات في المقاصد الشرعية لهذه الأحكام وضوابطها. |
---|